سِـــــــربُ تراهـــــــــات


ســــــربٌ تراهــــات


pare1


أذكر شجاراتي كلها معها .. كنت أفتعل تلك الشجارات عمدا ..

أسرق أشيائها وأخبئها وحالمآ تسألني عنها بغضب ؛وعيناها تفيض ب

الدموع، أخبرها أنها ليست معي ولم آخذ شيئا منها البتة ، فتشتمني

وتذهب .. نعم كنت أنا من آخذها .. لااعلم السبب تحديدا ، هل لانني

استمتع بهذا أم أحب بكاؤها أو لأنها سبقتني بدقيقتين من حياتي .

في يوم شتاء عاصف حصلت هي على هدية ؛ لم أسأل من أهداها

اياها ؛ كانت مغلفة جيدا والغريب بالأمر ؛ أنها لم تفتحها بل تركتها

على الطاولة أمام التلفاز وبقيت طوال اليوم تحدق بها حتى انها لم تحرك

ساكنا ؛ وجهت اليها سؤالا عابرا وانا أفتح الثلاجة لاتناول شيئا :

-ألن تفتحيها

-لا

- اذن لماذا تمعنين النظر بها

- لانني اعرف مابداخلها

-وهل وضعتيها عمدا هنا ؟ يا غريبة الأطوار

- لا ،فقط اذهب

- حسنا يا متجهمة


أغلقت الثلاجة بعد انهاء حديثي اليها وانسحبت الى غرفتي الى جملة التساؤلات التي تشعل رأسي وبت أتمتم بها ،

هل وضعتها عمدا كي أسرقها ، ام انها تحاول استفزازي ، لابد أنها ستنتقم مني بطريقة ذكية

كم أحب ذكأئك يا فتاة ، ولكني أمقت وجودك معي ، لازلتي تحظي باهتمام الجميع منذ مولدك ،

ها قد حصلتي على هدية ، تفعلين هذا كي أغار منكي ، انا الذي بات على يوم مولده يومين واثنان واربعين دقيقة لم يفكر أحد أن يهدني شيئا .

لم أعد أغار منكي البتة سوى أن وجودك بات سوءا على قلبي، تلك الدقيقتين بين مولدنا جعلتني مشلولا للأبد

خرجتي من بطن أمي تحضين بالتهاني والقبلات وانا وحدي أصارع الظلام والحسرة بالداخل .. رغم انني كنت الفتى

وانتي الفتاة الا ان تلك الدقبقتين كسرت ظهري ، بددت حياتي ظلامآ ،

والأسوأ من هذآ أننا حصلنا على اسمين متشابهين لأننا توأم فكنت أنا جواد وكنتي جودآ .. ألم يكن بوسع والداي اختيار اسم غير اسمك .. فقد اخذتي الأصل وحظيت أنا بنسخة التقليدية باضافة الألف الى أصلك لأصبح جوادا...!!

تبا لحظي رغم أنني لا أؤمن بالحظوظ ،

كنا نتشاجر كثيرا . نذهب للمدرسة فاسبقك بكل شيء بالذهاب ،الاياب،الأكل،الدرلسة، اللعب،وحتى النجاح... حتى أتى ذلك اليوم الأسود ..

ذلك اليوم الذي أردتي أن تسبقينني فيه الى المدرسة فخرجتي من البيت مسرعة وانا خلفك ، فما هممت باغلاق الباب الا وقد كنتي سربآ محلقآ ب السماء ..

كنت أقف مبهما دون حراك وأمي تصرخ بإسمي ودماء أختي بين يديهآ ، فارقت حيآتي وذهبت ازعجاتها وجدالاتها كلهآ

...!

فأقيم العزاء ولم أخرج لمدة 3شهور ..لم أستطع تصديق حالي ،كيف لكل الأمور أن تنقلب الى هذا الحد ..

خرجت بعدها لاغسل وجهي فطلب مني والداي أخذ أشيائها ، رفضي السريع رسم علامات الاستفهام على وجوههما ..

دارت الأيام والسنين ولا زال ذلك السرب يلاحق مخيلتي في كل وقت فضلا عن التفكير واللوم والانعزال الكبير.. فتبقى يومين على احتفال تخرجي من الثانوية العامة كان هذا اليوم يقابل يوم ميلادي أيضآ

، كان والداي مشغولان للترتيب للحفل وتجهيز كل المسلزمات لكني لم آكن آبه لأي شيء ولم ارغب بالذهاب للحفل لولا اصرارهما وغضبهما علي ...!!

أدلفت أمي مني قائلة :

- تجهز جيدآ يا بني ستفتخر بك فالحفل بات قريبآ ..

أردفت - لا أظن أنني سأذهب.

- لا تدعني أغضب عليك يابني أرجوك أنت أملي الوحيد .

- لا عليكي ، ماذا تخفين خلفك ؟

- حسنا . خذ

مدت يديها ومعها تلك الهدية التي كانت تخص أختي المتوفآة فأردفت قائلا باستغراب

-لماذا احضرتها الي.؟

-كنت أرتب غرفة أختك وحينما سقطت وجدت انه كتب عليها من الأسفل الى جواد ودونت تاربخ ميلادكما..

_حسنا أمي دعيها عندك..

أي قدر هذا يا الله ، لوهلة لم اعتقد بتاتا انها يتهديها إلي ، الان فهمت جلوسها اماما وتمعنها طيلة الوقت كي لااسرقها!!

هممت بفتحها وتركت العنان لغصة قلبي .. لقد كانت قبعة تخرج وصورة لنا ونحن طفلان ..

كانت تشعر انها سترحل فاهدتني قبعتها التخرج .. لقد كنتي سربا ولازال يلاحقني

جاء يوم التخرج فجلس والداي امام المنصة ووضعت كرسيا أمامي كتبت عليه محجوز لشخص مهم ..

حتى نادوا باسمي فسرت أاختلس النظر اليها كانت جميلة كجمال عينيها حينما تبكي .. رفعت قبعتي احيي سربها


أجل لقد كنتي أختي..

التي أحببتها ولا زلتي سربآ في سمآء أفقي ..

وقد كان قدرا يلاحقني طيلة وقتي ..


part2


ا سبتمبر، الشهر الصيفي الأخير، حينما انعقدت سنتان على تلك الحادثة، سراباً يلوحُ في سماءِ أفقي.

اليوم هو اليوم الأول في الحيآة الجامعية، المرحلة الدراسية الأخيرة؛ قبلَ حصولي على وظيفةٍ ما

───

أذكرُ قبل سنتين حديثٍ قصير بيننا، ذكرت ْهي فيه سؤالاً وجهته ُ خِلسَةً، بينما كنتُ أراجعُ بعض الدروس

_ ياترى هل سننجح في الاختبارات، لم تتبقى سوى سنتين على دخول الجامعة، واااه كم هذا مدهش، سأصبح أفضل مُدرسة في هذا العالم، ثم اكمل الدكتوراة واصبح أستاذة جامعية

_ اخفضي صوتك ألا ترين أني اذاكر!

_لم تصرخ؟ أم أنك تغار من طموحي  :

_ انظروا من يتكلم، أشخاص مثلك لا يستحقون أن يكونوا معلمين، أن تكون معلماً يعني أن تكون فريداً، قوياً، محبوباً، وقادر على السيطرة وفصاحة اللسان واللغة، بالإضافة إلى الأساليب الشخصية.. الخ،

_يا لك من متعجرف، لآ تتدخل فأنا أتحدث مع نفسي.

_حسنا يا متجهمة.

انني اذكر هذا وكأنه أمس، كم أشعر بالذنب كلما تذكرتها، كيف لي أن أدخل الجامعة وأنا السبب في حرمانها منها، تباً لي، انا غبي، أنا مجرد تافه يا جود، هل تسمعين ،اخوك مجرد غبيٍ تافه قتلك بيديه، ثم هاهو الان يتجرع قوارير الندم خلف الجميع،


لم عليّ أن اعاني مرتين، كنتُ أعاني من وجودكِ معي، رغم انك لم تقترفي أي ذنب، ولا أي رد، ولا حتى شجار تفتعلينه معي، كلها كانت مني، كنت اغيظك، اكره شيئا ما في وجودك، أحقد على القدر الذي جاء بي إلى هذا الحال،

لم أستطع أبدا، أن اتقبل وجودك معي، لماذا لم أولد وحدي، وحصلت على كل شيء وحدي، انا لستُ طماعا يا جود، أنا فقط ذقت ذرعا بالتفرقة بيننا، كالأبيض والأسود تماماً..

────────────

بعد لحظات /قررت أن أهدأ قليلا بقراءة كتاب بائس، الكتاب اشتريته من أحد المارة، ليس الأمر وكأني أحب القصص ، ولكني حينما قرأتُ العنوان، وددت حقاً الهروب من واقعي المتناقض الذي لا اتقبله؛ إلى خيالٍ عميق،

"أفواه الزمن" الكاتب الأحمق إدوارد غاليانو

حينما قلبتُ الكتاب سريعاً، راق لي أسلوب الكاتب الذي جعلني اقدس مدى تفكيره المدهش في كتابته،

مقتطفات كتبها عن كلمة، اختار اي كلمة ثم بدأ يكتب عنها،

حينما ههمت في قراءة بعض الصفحات منه، شدني إليه،


التنقل السريع، مُبتعدا عن أسلوب الكتابة الطويل الممل، وهي لحظات وإذ بأمي تطرق الباب:

_جواد بُني، هل انت نائم ؟

لاح نظري قليلاً نحو الباب وعقلي شارد، ماذا تريد أمي، لم أفكر البتة في الرد، أو حتى الوقوف لفتحه

سمعتها وهي تذهب شيئاً فشيئاً، حتى اختفى صوت وقع أقدامها، وعدت إلى الكتاب أتابع القراءة،

وصلتُ إلى أحد المقتطفات البسيطة بعنوان (الأسرة)، بدون تحريك عيناي إلى التالي، قلت في نفسي :ياترى ماذا كتب عنها؟




شيءٌ ما تلهفت له، وشيء ما يقول لي لا تقرأ السطر التالي، وفي النهاية غلب فضولي الوسوسة وتابعت،

فكرتُ قليلاً، أعلم أني أحبُ الفلسفة كثيرآ، وامقت الخطأ دوماً، سألت ُ نفسي : لم انهى الكاتب سطورة الأسرة بكلمة. الموت؟

مالذي فكر به تحديداً حينما كتبَ العنوان؟ الأسرة؟

هل إسم الأسرة مرتبط بالموت، ام الموت حليفُ هذا العنوان في خيطٍ ما؟


لا أدري، لعل هذا الجزء من الكتاب لامسني، فقررت إغلاق الكتاب وثنيت الصفحة 57.

────────────

استيقظت صباحاً في شيءٍ من الأمل، ربما أردت حقاً أن أخوض مرحلة جديدة، أو ربما آمنتُ أن الموتَ قادم، خاصة حينما يرتبط بكلمة أسرة؟ عائلة؟ لا أعلم كيف حركَ ذلك الكتاب أو بالأحرى ذلك الجزءُ قليلاً من تفكيري،

حزمتُ بعض الدفاتر والأوراق الرسمية، ارتديت ساعة يدي وأخذتُ هاتفي، أعقد ازرار الاكمام انظر ببرود إلى الكتاب على المكتب،

انتهيت وخرجت من الغرفة تاركاً الكتاب خلفي،

_أمي اعتذر عن أمس، انا ذاهب للتسجيل في الجامعة.

_ألن تتناول الفطور؟

خرجتُ مسرعاً أقِلُ اول سيارة إلى الحرم الجامعي ثم إدارة القبول والتسجيل ثم المالية.

" تفضل الجدول الخاص بالمساقات وأماكن المحاضرات؛ حظاً موفقا يا مُعلم، أهلا بك"


ذهبتُ مهرولاً إلى أول قاعة، طرقت الباب

_ السلام عليكم دكتور

_ أنت متأخر تفضل بالخروج

_الساعة ال7:59

_نظر إلى ساعته وقال بتهفف "تفضل


.....تابع \

هـ . محمود

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خواء

عابرون في كلام عابر Passing through the words of passing

فلسطين Palestine